«الوطن» تنشر تفاصيل التقرير الخطير عن الأوضاع فى مصر: الإخوان ابتعدوا عن الحرب الأهلية خوفاً من غضب الشعب عليهم
كتب : عبدالعزيز الشرفي
الثلاثاء 04-02-2014
السيسي
«منذ ثورة 1952 استقر النظام السياسى المصرى بشكل أو بآخر نسبيا، وكان
استقراره يتمثل فى القائد القوى الذى يحظى بدعم الجيش، إلا أن ما لم يضعه
الكثيرون فى الحسبان، هو أن هذا الاستقرار ضغط بشكل كبير على الاقتصاد
المصرى وصنع فجوات عميقة فى الطبقات الاجتماعية. وهو ما استطاع نظام
(مبارك) التأقلم معه نسبيا، حتى انفجرت الأوضاع فى وجهه نتيجة سلسلة من
الأخطاء المتكررة والمتتابعة، ولكن الأحداث لم تتوقف عند هذا الحد، وبدأت
البلاد تمر بتطورات جديدة يوما تلو الآخر».. هكذا يبدأ معهد «الأمن القومى»
الإسرائيلى تقديره للأوضاع فى مصر، الذى جاء تحت عنوان: «ثوران مصر»، فى
إطار تقريره السنوى عن الأخطار والتهديدات التى تحيط بإسرائيل.
يبدأ المعهد الإسرائيلى تقريره فى الجزء الأول تحت عنوان: «سقوط
نظام الإخوان»، بسرد وقائع المرحلة الماضية التى تلت صعود الإخوان إلى
الحكم بداية من انتخابات البرلمان وحتى الوصول إلى كرسى الرئاسة، ثم الخوض
فى أحلام وآمال الإخوان على مر 80 عاما بالوصول إلى الحكم. ويضيف: «استغل
الإخوان فرصة سقوط نظام مبارك رغم أنهم لم يبادروا بالدعوة أو المشاركة فى
ثورة يناير 2011، واقتنصوا فرصة كانوا فى انتظارها لعقود كاملة. وفى مارس
2012 تحول وضع الإخوان إلى النقيض تماما، فبعد أن كانوا مجرد فصيل يدعى
اضطهاده، أصبحوا على رأس السلطة، فى حين تمت تنحية شباب الثورة الذين
تسببوا فيها جانبا».
التعاون الأمنى مع إسرائيل تحسن فى عهدهم.. وسياسات «الجماعة» استمرار لسياسات «مبارك»
تبدأ أخطاء الإخوان -بحسب المعهد الإسرائيلى- بتنحية قادة الجيش المصرى
وتعيين قادة جدد، فى خطوة اعتبرها كثيرون بداية للسيطرة على الجيش وتركيعه،
كما حدث فى النموذج التركى على يد رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان،
حيث إن «الإخوان» اعتقدوا أن قادة الجيش الجدد -وتحديدا وزير الدفاع المشير
عبدالفتاح السيسى- لن يراجعوهم أو يعارضوهم يوما فى قراراتهم، حيث إنهم
يدينون لـ«الإخوان» فى الوصول إلى مواقعهم الجديدة على رأس القيادة
العسكرية.
ويضيف: «أما الخطأ الأبرز لـ«الإخوان» فى مسألة محاولة السيطرة على
الجيش، فهو أن «الإخوان» اختاروا «السيسى» على أساس أنه ضابط صغير لا يحظى
بشعبية فى داخل الأوساط العسكرية، كما أنه لن يحصل على دعم العسكريين فى أى
خطوة يقوم بها، وهو ما يجعله ملتزما بالضرورة بالالتصاق بالإخوان للحصول
على دعمهم والتأكد من حفاظه على موقعه»، وهو ما جعلهم يقعون فى خطأ
اعتقادهم ولاء الجيش لنظامهم، وهو ما جعلهم يقفون فى حالة ذهول أمام تحالف
المؤسسة العسكرية مع القوى الليبرالية والقوى الشعبية للإطاحة بنظام
«الإخوان».
«فى ذروة قوة نظام الإخوان جاءت نقاط ضعفه»، هكذا يلخص المعهد
الإسرائيلى مراحل سقوط الإخوان، مؤكدا أنهم فى الوقت الذى حاولوا فيه
السيطرة على كل مراكز القوى فى مصر، ظل القضاء المصرى وشباب الثورة هم
العامل الأقوى الذى فشلوا فى تطويعه لصالحهم، ولم يتكبدوا حتى عناء
المصالحة معهم بل دخلوا فى صدام عنيف فى مواجهتهم. ويرى «الأمن القومى» أن
الرئيس المعزول محمد مرسى كان فى استطاعته تعزيز موقعه وقوته حقيقة دون
اللجوء إلى محاولة اكتساب سلطات لا تخصه أو السيطرة على مراكز القوى، حيث
إنه فشل فى تكوين تحالف سياسى حقيقى يضم أطرافا غير الإخوان للوصول إلى
المصالحة الوطنية وانتشال البلاد من أزمتها، وسرعان ما تخلى عن وعوده
البراقة بضم الأطراف الأخرى إلى السلطة.
مرسي
«ارتكب نظام الإخوان عدة أخطاء عجلت بسقوطهم، حيث إن سياساتهم كانت أقرب
إلى استمرارية لسياسات نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، منها إلى سياسات
جديدة وتغييرات تنقذ البلاد وتخرج بها إلى الديمقراطية الحقيقية. وظلوا فى
اتباع السياسات ذاتها، يبحثون عن رضا الولايات المتحدة ورضاها عن تحركاتهم
للحصول على الأموال الأمريكية.
فى السياسات الداخلية، يقول المعهد الإسرائيلى إن الأوضاع السيئة
التى لحقت بمجالات التعليم والصحة والاقتصاد والوضع السياسى الفاشل والوضع
الاجتماعى المهترئ، كانت هى السبب فى حصول الإخوان على سمعة لها أصداؤها فى
أنحاء مصر كجماعة تشعر بمعاناة الشعب المصرى وتتعاطف معه، فتحصل هى على
تعاطفه ضد نظام «مبارك»، إلا أن الأوضاع تدهورت بشكل أسرع فى عهد
«الإخوان»، وأدركوا أخيراً أن توفير الخدمات لشعب يبلغ تعداده ما يزيد على
80 مليون نسمة، هو أمر مختلف تماما عن مجرد شعارات.
الإطاحة بـ«مرسى» أعادت الجيش إلى دائرة الضوء والمؤسسة العسكرية ستظل فى انتظار محاولات الإخوان للوصول إلى الحكم لإحباطها
يرى المعهد الإسرائيلى أن الخروج من الأزمة السياسية فى عهد «مرسى» كان
شبه مستحيل، حيث إن انعدام خبرته والمحيطين به، زاد الأمور سوءا وجعل الأمر
أكثر خطورة ليس إلا، وبات الشعب يبحث عن مخرج يتضمن إقصاء الإخوان نهائيا
للخلاص منهم. ويتابع: «فشل الإخوان يرجع بشكل كبير إلى اعتمادهم نظرية
الأكثرية والاعتماد على كثرة أتباعهم ومحاولتهم فرض اعتقاداتهم ومبادئهم
على جموع الشعب، بدلا من تطوير حوار اجتماعى لكسب قلوب وعقول المصريين».
ويشير التقرير الإسرائيلى إلى أن الإطاحة بـ«مرسى» أعادت الجيش
المصرى إلى دائرة الضوء بعد أن توارى خلف الستار فى أعقاب انتخابه، وهو ما
منحه الفرصة لإصلاح أخطاء الإدارة العسكرية الأولى فى أعقاب الإطاحة
بـ«مبارك»، واسترداد تأثيره السياسى والشعبى، مؤكدا أن الجيش تدخل فى
البداية انطلاقا من إيمانه بوقوع الواجب الوطنى على عاتقه لإيقاف التراجع
والتدهور السريع فى الأوضاع المصرية، ولم يتدخل سعيا لإسقاط المشروع
الإسلامى، كما يدعى الإخوان، أو لتعزيز موقف القوى الليبرالية فى البلاد،
وهو ما يجعله الطرف الأقوى فى العملية الانتقالية حاليا.
وقال «الأمن القومى» إنه ربما حتى الجيش وقادته أنفسهم لم يقرروا
حتى الآن ما إذا كانوا سيواصلون وجودهم على الساحة السياسية أم أنهم
سيعودون إلى ثكناتهم، وما إذا كانوا يرغبون فى أن يصبحوا على رأس السلطة فى
مصر أم لا، مضيفا: «ورغم ذلك، هناك عدة افتراضات قد تكون مقبولة نوعا ما،
أولها أن (السيسى) سيواصل فى منصبه وزيرا للدفاع وسيظل الجيش هو العامل
الأقوى فى المرحلة لحين استقرار البلاد تماما، والاستقرار لا يعنى انتخاب
رئيس جديد والتوقف عند هذه المرحلة، وإنما عودة استقرار الأوضاع وبدء نهوض
مصر فعليا».
عاموس يادلين
ويتابع: «أما الافتراض الثانى فهو أن الجيش سيتراجع ويبتعد عن الساحة
السياسية نهائيا، إلا أنه سيظل فى انتظار محاولة صعود الإخوان للحكم مرة
أخرى لإحباطهم، حيث إن تجربة عام واحد فى الحكم كانت مأساوية بما يكفى لمنع
الإخوان من الصعود إلى الحكم من جديد».
ويرى المعهد الإسرائيلى أن وضع الإخوان هو الأكثر صعوبة، خاصة بعد
صعودهم المفاجئ إلى السلطة والإطاحة بهم وتحولهم إلى «جماعة فاشلة وفاشية»
فى نظر الشعب المصرى، إلا أن قوتهم فى الاعتماد على أنصارهم لم تعد محل ثقة
فى الوقت ذاته، ولم يعد بإمكانهم اعتماد نظرية الكثرة فقط، وهو ما يؤكد
أنه ليست لديهم استراتيجية واضحة للخروج من أزمتهم الحالية. ويضيف: «هناك
عدة مسارات قد يتبعها الإخوان، أولها أنه يتبقى لديهم أفضلية واحدة على
الجميع، هى أنهم التنظيم السياسى الأكثر تنظيما وترتيبا، كما أنهم يحركون
أتباعهم على أساس المعتقدات الدينية والشعور بأنهم ضحايا لمحاولة تطبيق
الشريعة الإسلامية».
«الجماعة نفسها لم تسلم من الخلاف، فالمؤشرات جميعها تشير إلى أن
هناك خلافا داخليا بين قادة الإخوان بشأن ما إذا كان الأفضل هو الدخول فى
حوار مع الجيش للانضمام إلى الحكومة والتراجع عن العنف، أو رفض الحوار
والاستمرار فى العنف لإجبار الجيش على القبول بشروطهم التى يرغبونها، خاصة
أنه ليست لديهم استراتيجية بعيدة المدى لما يجرى». ويضيف: «ما يجرى فى
سيناء والتفجيرات الأخرى فى أنحاء مصر هى خير دليل على ضبابية الوضع من
جانب الإخوان، ويقدر الجيش الإسرائيلى أن 300 هجمة على الأقل وقعت خلال
الفترة ما بين يوليو وأغسطس الماضيين فى داخل سيناء، وهو ما أجبر الجيش على
الدخول فى أكبر عملية عسكرية غير مسبوقة على الإطلاق لمحاولة السيطرة على
الأوضاع، كما أنه عازم على إقامة منطقة عازلة بين سيناء وقطاع غزة؛ للحد من
تسلل الإرهابيين وتنقلهم ما بين الجانبين».
ويقول المعهد الإسرائيلى إن الأوضاع السياسية فى مصر باتت أشبه
بـ«مستنقع» ليس من السهل الخروج منه، خاصة أن أطرافا كثيرة، على رأسها
الجيش، لم تحدد بعد وجهتها المستقبلية، خاصة أن الجيش يرى أن ما فعله هو
واجبه الوطنى الذى كان ملزما به، مشيراً إلى أنه رغم ضعف موقف الإخوان فى
الوقت الحالى، فإنهم يظلون هم حامل المفتاح الرئيسى للخروج من الأزمة
الجارية، حيث إن طول المدة التى تظل فيها الأوضاع على ما هى عليه تثير
المخاوف بشأن تدهور مصر أكثر فأكثر، وهو ما يؤكد أنه كلما انتهت موجة العنف
تلك بشكل أسرع، كلما أصبح الوضع أفضل لصالح الشعب المصرى.
«الجماعات الإسلامية المتطرفة والإخوان لم يتبنوا حتى الآن سيناريو
الحرب الأهلية على غرار ما يجرى فى سوريا، وهو سيناريو الحرب واسعة المدى
بشكل مكثف؛ لأنه سيجبر الجيش على الاستخدام المفرط للقوة وسيجبر الشعب على
ازدرائهم بشكل أكبر، وهو ما يجعل الإخوان بالتالى يخسرون تعاطف القلة
القليلة التى لا تزال تتعاطف معهم، كما أن طبيعة البنية الاجتماعية للشعب
المصرى تميل إلى الابتعاد عن الحرب الأهلية»، لافتا إلى أنه حتى مع توقف
الإخوان عن عنفهم سيظل الوضع الداخلى فى مصر أمنيا معقدا لفترة طويلة.
نظام
«الإخوان» لم يفهم أن توفير الخدمات لـ80 مليوناً لا يكون بالشعارات..
وآمن بأن الديمقراطية للوصول إلى الكرسى فقط.. ومصر أصبحت أشبه بمستنقع ليس
من السهل الخروج منه
ويشير المعهد الإسرائيلى إلى أنه على الرغم من أن الانتخابات هى حجر
الزاوية بالنسبة للعملية الديمقراطية، فإن ما شهدته مصر خلال السنة الماضية
يؤكد أن هناك عدة مقومات تفتقرها البلاد قبل التوجه إلى الانتخابات للوصول
إلى الديمقراطية الكاملة، خاصة أن جميع الأطراف المعنية بتلك العملية فى
مصر ليست ديمقراطية بما يكفى فى أعين الغرب. ويضيف: «كانت العملية
الديمقراطية مهمة للإخوان للحصول على السلطة فقط، وفور أن حققت مبتغاها
أدارت ظهرها إلى تلك الديمقراطية وافتقرت إلى الأسس الرئيسية للديمقراطية،
والتى على رأسها فصل الدين عن السياسة».
«العملية الديمقراطية بشكل عام فى العالم العربى تخضع لمعايير
مختلفة عن نظيرتها فى الغرب والولايات المتحدة، حيث إن هناك أسسا على رأسها
العقيدة القبلية والعرقية والتقاليد وإشكالية الإسلام السياسى، التى تحتم
اختلاف تلك التجارب عن نظيرتها الغربية، وهو السبب نفسه الذى دفع الرئيس
الأسبق مبارك إلى التأكيد للرئيس الأمريكى باراك أوباما، حين طلب منه
التنحى، أن الولايات المتحدة لا تفهم طبيعة الشعوب العربية ولا تدرك طبيعة
المجتمع المصرى، وأنه ليس مستعدا للديمقراطية بعد. إلا أن هذا لا يعنى
أيضاً أن النظم الديمقراطية لا يمكنها حكم مصر، وإنما الافتراض الأصح هو أن
العملية الديمقراطية يجب أن تكون على مراحل وليست كلها دفعة واحدة، بهدف
تشكيل الأسس الرئيسية المطلوبة للديمقراطية الكاملة».
كل ما يجرى فى مصر يؤثر بشكل أو بآخر على الطبيعة الإقليمية
للمنطقة، خاصة فى ظل ضبابية موقف الإخوان الذين بات من المؤكد أنهم لن
يستطيعوا العودة إلى السلطة، ولكن الأهم هو أن «الإخوان» تعد الأب الروحى
لكل الجماعات الإسلامية فى المنطقة بأكملها، وهو ما يدفع باحتمالية إساءة
تلك الجماعات فهم طبيعة ما جرى واعتقادها بأن العملية الديمقراطية لا تجدى
نفعا، وبالتالى يتراجعون عن المشاركة فيها.
ما جرى أيضاً -بحسب المعهد الإسرائيلى- يؤثر بكل الطرق السلبية
الممكنة على حركة «حماس» فى غزة و«حزب الله» اللبنانى وإيران، حيث بات
المصريون يعدون «حماس» حركة معادية تسعى لإثارة الفتنة والعنف فى المجتمع
المصرى، فى حين أن إيران فشلت فى الحصول على مساعيها بالتقارب مع مصر خلال
عهد «الإخوان»، لتصبح هى الدولة القائدة لمحور «شيعى - سنى» تقوده هى فى
مواجهة السعودية. كما أن الإطاحة بـ«مرسى» كان لها تأثير أيضاً على
العلاقات الأمريكية - المصرية، فعلى الرغم من حالة التوتر التى سادت تلك
العلاقات فى وقت سابق قبل الإطاحة بـ«مبارك» بأيام قليلة، فإن الواقع هو أن
«مرسى» استمر فى نهج «مبارك» وتقارب مع الإدارة الأمريكية، فى حين قرر
الجيش المصرى بعد الإطاحة بـ«مرسى» الضغط على الإدارة الأمريكية بسبب
انتقاداتها له، من خلال التأكيد على أن مصر «لم تعد فى جيب أمريكا»، عن
طريق التقارب مع روسيا، وهو ما قد يكون له انعكاسات خطيرة على الأوضاع فى
المنطقة بأكملها، خاصة فى التوازنات العسكرية فى المنطقة.
وفيما يخص التداعيات على إسرائيل، يشير المعهد الإسرائيلى إلى أن
حكومة «الإخوان» لم تتغير كثيرا عن حكومة «مبارك» فى تعاونها مع إسرائيل،
ولم تتأثر العلاقات أبدا ولم يكن تصرف «الإخوان» عدائيا تجاه إسرائيل حتى
رغم التصريحات التى خرجت عن بعض قادتهم. ويضيف: «رغم أن التعاون مع مصر كان
فى حدود التعاون الأمنى فقط والسياسى على مستوى ضئيل جدا، فإن الجيش
المصرى لم يضع أيضاً من يتعاطفون مع إسرائيل على رأس السلطة، بل إن الإدارة
العسكرية المؤقتة فى مصر أطاحت بكل من رأت فيه تعاونا مع إسرائيل أو يعبر
عن وجهات نظرها، وحصر التعاون والتنسيق مع إسرائيل فى المجال الأمنى فقط
لمحاولة السيطرة على سيناء».
وفى مقاله الختامى للتهديدات التى تحيط بإسرائيل فى العام الجديد،
يشير اللواء احتياط عاموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية
السابق، ورئيس معهد «الأمن القومى»، إلى أن العام الجديد يختلف عن سابقه
الذى شهد ارتياحا كبيرا بالنسبة لإسرائيل من الناحية الأمنية، حيث إن
التطورات التى طرأت على مصر وسوريا والأردن ولبنان فى أواخر العام الماضى،
تهدد الأمن القومى لإسرائيل، مشيراً إلى أن السياسات الأمريكية فى الشرق
الأوسط أيضاً يجب أن تقلق إسرائيل، حيث إن اهتمامات الولايات المتحدة
بالدول الآسيوية جاء على حساب مهامها فى الشرق الأوسط وأضعف من النفوذ
الأمريكى فى المنطقة، وهو ما يهدد أمن إسرائيل ويثقل كاهلها بإشكاليات
أخرى.
وأشار «يادلين» إلى أنه فى الوقت الذى تبحث فيه إسرائيل والسلطة
الفلسطينية والولايات المتحدة مسألة إقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب
الإسرائيلى من الضفة الغربية، تغاضى جميع الأطراف عن مناقشة المسألة الأكثر
خطورة فى هذه المرحلة، وهى المتعلقة بقطاع غزة. وأضاف: «الآن أصبح الأمر
مشكلة حقيقية، ففى الوقت الذى يناقشون فيه الضفة الغربية، نسوا مناقشة ما
سيفعلونه بشأن قطاع غزة. وهناك حلان؛ إما أن يظل الأمر على ما هو عليه ويظل
احتواء إسرائيل والولايات المتحدة لـ(حماس) كما هو، وهو أمر أصبح صعبا
بدرجة كبيرة بسبب الضغوط المصرية على القطاع وحركة (حماس) للتوقف عن دعم
وتأييد الإخوان، ما يرفع الضغوط بالتالى على إسرائيل واعتماد القطاع على
(تل أبيب) لتوفير السلع الأساسية ومواد البناء وغيرها».
أما البديل الآخر، بحسب «يادلين»، فهو أن تساهم مصر بالمشاركة مع
إسرائيل والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، فى عملية الإطاحة بـ«حماس»
من السلطة من خلال عملية سياسية تتمثل فى إجراء انتخابات السلطة
الفلسطينية، وربما حتى بالوسائل العسكرية إذا لزم الأمر. ويضيف: «ولكن هذا
البديل يطرح تساؤلات أخرى، منها مثلا ما إذا كانت ستوافق مصر على التدخل فى
هذه العملية أم لا؟ ومنها أيضاً عملية صناعة البديل لحكومة (حماس)، حيث
إنه لا يوجد أى بديل حقيقى يستطيع حكم القطاع»، فى حين أن البديل الثالث هو
الضغط على «حماس» بكل الأشكال الممكنة لإجبارها على تغيير سياساتها التى
تتبعها فى قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالإطاحة بـ«الإخوان»، أشار «يادلين» إلى أن عملية
الإطاحة بالرئيس المعزول فى حد ذاتها عززت موقف المعارضة فى دول عربية أخرى
ضد الإخوان، ودفعتهم إلى الخروج وإعلاء أصواتهم للمطالبة بابتعاد الإخوان
عن الحكم، وهو ما يجعل بالتالى احتواء خطر الإخوان وتشددهم أكثر سهولة،
خاصة فى الأردن وتونس. وأكد أن ادعاءات تحول مصر إلى الديكتاتورية مرة أخرى
لم تعد مقبولة، حيث إن الشعب أصبح على دراية بموقفه وقوته التى يمكنه
استخدامها فى أى وقت ضد الحكام الذين يفشلون فى تحقيق تطلعاته، محذرا فى
الوقت ذاته من تحول الدولة إلى «دولة فاشلة»، أو زيادة قوة التنظيمات
التابعة لـ«القاعدة» فى مصر.
وقال «يادلين» إن الفرص التى قدمها «الربيع العربى» لإسرائيل
لاستغلالها، تفوق كثيرا المخاوف التى أبدتها إسرائيل سابقا من المخاطر
والتهديدات التى تحيط بها، مؤكدا أن احتمالات الحرب الأهلية فى مصر لا تزال
قائمة بنسب منخفضة، وهو ما قد يكون له آثار سلبية كثيرا على إسرائيل بسبب
التقارب الجغرافى ودور مصر المركزى فى الشرق الأوسط، إلا أنه سيناريو
مستبعد الحدوث. وأضاف: «ضعف الحكومات المحيطة بإسرائيل يقلل من عدد أعدائها
ويقلل من تهديدات الجيوش النظامية لإسرائيل».
الوطن
الأمن القومي الإسرائيلي