الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

المصابون يروون لـ«الوطن» حكاية «فرح» تحول إلى «مأتم»

«فيولا»: «أنا كنت نايمة وفجأة حصلت خبطة كبيرة».. و«منال»: «هو فى مزلقان يتساب مفتوح كده؟.. ربنا ينتقم من اللى كان السبب»
كتب : عبدالوهاب عليوة 
الثلاثاء 19-11-2013
أحد المصابين راقداً فى المستشفى أحد المصابين راقداً فى المستشفى
على سرير صغير بغرفة رقم «324» بالطابق الثالث بمستشفى الهرم يجلس مينا إسحاق مرتدياً الزى الأزرق الشفاف المعقم فوق ملابسه، شاخص البصر، شارد الذهن، جروحه وألمه وبكاؤه ترسم ملامح وجهه الدائرى.. يتذكر الفرحة الممزوجة بالابتسامة التى كانت تملأ وجوه عائلته الكبيرة، القادمة من محافظة الفيوم إلى دار الأشغال العسكرية بمنطقة المعادى فى القاهرة، للمشاركة فى زفاف أحد أفراد العائلة المقيمين بالقاهرة، الفرحة والابتسامات التى لم تغب عن القابعين فى «الباص» الذين قدّرهم «مينا» بـ37 شخصاً، بينهم والداه وأشقاؤه وأبناء عمومته، صغار وكبار، حيث تتنوع الأعمار من 3 سنوات إلى 60 عاماً، كانت الفرحة تلازمهم من محافظتهم التى تحركوا منها مع غروب أشعة الشمس.. تصل فرحتهم إلى ذروتها داخل قاعة الفرح التى تجمع فيها المعارف والأهل والأصدقاء مع العروسين.. مع انتهاء الفرح وانصراف العريس مع عروسه، يعود كل أفراد عائلة «مينا» إلى الباص، كل واحد يجلس مكانه.. «عقبال بولا وعقبال بيتر، وعقبال... إلخ»، عبارات تبادلها ركاب المينى باص بينهم، سائق المينى باص «الحمد الله خرجنا من زحمة القاهرة والطريق بعد كده فاضى وكويس»، يزيد السائق سرعته قليلاً، يختفى الضوء الشاحب القادم من أعمدة الإنارة الذى يشق ظلام الليل، يعتمد السائق على نور السيارة، ركاب الباص بعضهم خلد إلى النوم من أجل الراحة، والبعض الآخر يلتزم الصمت. «خبطة جامدة حدثت فى ثوانى لم نشعر بعدها بأى شىء»، هكذا تحدث بيتر إسحاق ذو الـ11 عاماً، عن صدام القطار للباص الذى كان أحد ركابه، والمصاب بكسر فى الحوض وكدمات فى الظهر والقدم، «بيتر» الشقيق الأصغر لـ«مينا» كان مقعده فى مؤخرة المينى باص، بينما شقيقه الأكبر كان فى المقدمة، جمعتهم غرفة واحدة داخل مستشفى الهرم، يستكمل «مينا» تفاصيل ما حدث «الخبطة تبعها صراخ وعويل، جثث متناثرة على قضبان القطار الذى دفعهم مسافة تتجاوز الـ100 متر إلى الأمام، وفقاً لتقديره.
طفل من المصابين يرقد دون أن يعلم مصير أسرته
يصمت «مينا» ذو الـ21 عاماً لبرهة، يقطعها بكلمات محدودة: «أبويا وأمى ماتوا قدام عينى» تتساقط دموعه، يرفع يده لتجفيفها». يواصل: «عمتى وعمى إحنا كنا عائلة واحدة، اللى مات مات، والباقى مرمى فى المستشفى زى ما انت شايف». فى الغرفة المجاورة التى تحمل رقم «323» ترقد «مارينا»، 18 عاماً، شقيقة «مينا وبيتر» التى لم تعلم بوفاة والديها حتى الآن: «بلاش تتكلم معاها عن اللى ماتوا علشان هى ماتعرفشى حاجة»، تحذير من بولا منصور أحد أقارب «مارينا» لكل من يقترب منها، «مارينا» طالبة بالصف الثانى الثانوى، ومصابة بكسر فى الحوض والذراع، وكدمات فى الوجه.
فى نفس الغرفة وعلى سير مجاور، يفصل بينهم ستر من القماش المشدود بعناية، ترقد ماجدة موريس، لا تتوقف عن العويل والبكاء ليس من شدة الألم الناتج عن إصابتها فى الوجه والكدمات التى تملأ جسدها وفقاً لتقارير المستشفى، بقدر حزنها على ابنتها التى فقدتها فى الحادث، تستنجد السيدة الأربعينية بكل من يدخل غرفتها: «انت اللى هتجيب نرمين علشان عايزة أشوفها وتبقى جنبى». يحاول من يرافقها تهدئتها بالصبر، لكنهم يفشلون فى تحقيق نتائج إيجابية معها، يلجأ أحدهم إلى الطبيب طالباً منه إعطاءها حقنة مهدئة، تنجح فى تهدئتها لبعض الوقت، لكن نظرات عينها، الممزوجة بالدموع لا تتوقف عن السؤال، الذى عجز فمها عن النطق به مؤقتاً بسبب المخدر.
أسرة ثانية رباعية العدد أصيب أفرادها، الأب فؤاد نادر، 49 عاماً، يرقد برفقة ابنه أبانوب فؤاد، 6 سنوات، على سرير واحد فى غرفة مدون على بابها رقم «236»: «أنا عايز الدكتور مش قادر أستحمل الألم»، كلمات وجهها الأب الذى يقبض على شفته السفلى من شدة الألم إلى إحدى الممرضات. إصابة الأب تتنوع ما بين كدمات فى الوجه واليد وكسر فى القدم. يصل الطبيب، ويطلب الاطلاع على أوراق الأشعة والتقرير الطبى، بينما ابنه الطالب بالصف الأول الابتدائى والمصاب فى يده اليمنى، يرقد بجواره، لا تتوقف أنامله عن اللعب فى المحمول الذى يقبض عليه بين يديه، وكأنه لا يدرك ما حدث لأسرته، ولا يهتم كثيراً بألم والده الذى ينام بجواره.
منال جرجس زوجة «فؤاد» ووالدة «أبانوب»، ترقد مع ابنتها «فيولا»، فى الغرفة المجاورة رقم «237»، الأم ذات الـ43 عاماً تقول: «ربنا ينتقم منه اللى كان السبب، البيوت خربت وأبويا وأمى وعمتى ماتوا، أنا وزوجى وابنى وبنتى فى المستشفى بين الحياة والموت». تلقى السيدة بالمسئولية على المسئولين «هما السبب، هو فيه مزلقان يتساب مفتوح والقطر بيعدى، لو كان فيه حد بيحاسب عامل المزلقان ماكانش ساب مكانه، وبعدين فيه مزلقان بيكون فى حتة ضلمة ويتقفل بسلسلة؟».
تجلس «فيولا» 17 عاماً على السرير المجاور لـ«منال»، تتحدث بصوت واهن، يمتزج فيه الألم بالحزن: «أنا كنت نايمة وفجأة حصلت خبطة كبيرة، سمعت صريخ جامد ودخلت فى غيبوبة، ولما وصلت المستشفى عرفت أن القطر هو اللى خبطنا».
فى طرقة الطابق الثالث بالمستشفى تقف إحدى الممرضات، متحدثة إلى أقارب المصابين «إحنا عايزين ناس تتبرع بالدم دلوقتى حالاً، فيه أطفال محجوزين تحت فى قسم رعاية الأطفال أهلهم ماتوا ومافيش حد معاهم، يا ريت حد ينزل لهم دلوقتى يقعد معاهم». يستجيب البعض لدعوة الممرضة بالتبرع وتتطوع سيدة لمعرفة مكان الأطفال لكى تجلس معهم وترعاهم. المصابون داخل المستشفى يقدر عددهم بـ18 مصاباً، يرقدون فى ثلاثة طوابق، الثانى به حالة واحدة ترقد فى العناية المركزة، الثالث يقبع فيه 9 حالات، بينما الرابع يرقد فيه 4 حالات، بالإضافة إلى قسم رعاية الأطفال الذى يرقد فيه 3 حالات، وداخل المشرحة يوجد 5 جثامين، بينهم طفل واحد. 
الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق