مصطفى تخرج الثلاثاء الماضى.. وكتب على صفحته تعليقاً على صورة ضحية كرداسة: «اللهم اكتب لى الشهادة مثل اللواء نبيل فراج»
كتب : سامى عبدالراضى
تصوير : محمد كمال
الأحد 29-09-2013

انتهت حياة الملازم مصطفى يحيى جاويش بعد 3 أيام من تخرجه فى
كلية الشرطة.. مات مصطفى برصاص إرهابيين فى العريش بسيناء قبل أن يتسلم
عمله بـ 16 ساعة فقط.. مات الشاب الذى عمره 21 عاماً قبل أن يدخل إلى مكتبه
أو يرى معسكر الأمن المركزى الذى سيبدأ فيه رحلته العملية وقبل أن يرتدى
ملابسه الميرى أو يتحسس سلاحه.. إن كان مقرراً له أن يحمل السلاح.

مصطفى.. هو ابن بورسعيد الباسلة.. يعيش مع والده حكمدار شمال سيناء
الأسبق والأسرة فى سيناء.. تخرج الثلاثاء الماضى رسمياً.. عندما توجه ومئات
من دفعته إلى قطاع الأمن المركزى فى القاهرة.. هناك وفى الحادية عشرة
صباحاً.. قالوا لهم: «الضباط اللى من سيناء تيجى هنا على جنب.. عشان تدخل
لمساعد الوزير اللواء أشرف عبدالله».. كانوا خمسة.. جميعهم مقيمون فى
سيناء.. وهم أصلاً من محافظات مختلفة قادت الظروف أسرهم أن تستقر فى سيناء
بحثا عن وظيفة محترمة أو عمل. المعلومات تقول إن الخمسة لم يرغبوا فى أن
تكون بداية عملهم وهم قليلو الخبرة فى سيناء.. التى تواجه إرهاباً لا
يتراجع ولا يتردد فى استهداف ضباط وأفراد الشرطة والجيش.. لكنهم فوجئوا
بجملة واحدة قالها اللواء أشرف عبدالله مساعد الوزير: «انتوا من سيناء..
وهتروحوا سيناء.. وهتستلموا السبت فى معسكر الأمن المركزى..» قالها، وإن
كان واحد منهم أو اثنان لديه رغبة فى سيناء.. فالثلاثة على الأقل لا
يريدون.. وهم فى مكتبه.. التزموا الصمت.. كانوا «خائفين».. هم يقفون أمام
مساعد وزير.. أو «خجولين».. أو مترددين.. لم يفهموا شيئاً.. وخرجوا من
المكتب وهم يسألون ضابطاً إلى جوارهم: «يا افندم هو احنا كده هنروح سيناء..
3 أو 4 مننا طالبين يروحوا أماكن تانية».. قالوها ولم يرد أحد عليهم.
مساعد الوزير للأمن المركزى وضعه و4 آخرين فى مرمى الإرهاب
وصل الخمسة إلى العريش.. واستعدوا ليوم السبت -أمس- ليبدأوا عملهم
الرسمى فى الثامنة ونصف صباحاً.. العمليات الإرهابية فى سيناء واستهداف
رجال الشرطة والجيش كان مسيطراً على عقولهم وعلى «قلوب أسرهم».. لكنهم لم
يتوقعوا أبداً أن تمتد يد الإرهاب إلى واحد منهم قبل ساعات من العمل.. قبل
أن يدخل حياته العملية بساعات.
ظهر الجمعة أمس الأول.. كان الشهيد مصطفى يحيى جاويش 21 سنة.. يستقل
سيارته أو سيارة والده الملاكى.. قال لى شهود عيان: «كان هناك على زجاج
السيارة أو الملابس التى بداخلها ما يشير إلى أنها تابعة لرجل شرطة.. وأن
المتهمين رصدوه وأطلقوا عليه رصاصة اخترقت السيارة وأصابته فى جانبه..
وترنح واهتزت سيارته.. وهرول إليه المتهمون بأسلحتهم وصوبوا أسلحتهم
تجاهه.. وهو يقول: «ارحمونى.. ارحمونى».. لم تجد كلماته طريقاً إلى
آذانهم.. لهم هدف واحد.. هو قتله.. تسعيرة قتل الضابط هناك بـ 50 ألف
جنيه.. أطلقوا رصاصهم الغادر إلى صدر ورأس الشاب وانتهت حياته فى لحظات..
وفر «القتلة» هاربين.. هربوا بـ«دم بارد خسيس».. وتركوه غارقاً فى دمائه
الزكية.. دماء الشهيد. المشهد كان مختلفاً فى المستشفى العسكرى بالعريش..
زملاء مصطفى الأربعة هرولوا إلى هناك.. كانوا يتوقعون إرهاباً وقتلاً..
ولكن ليس بهذه السرعة.. كانوا يتوقعون استهدافاً لكن ليس بهذه الخسة.. توقع
الخمسة أن يستشهدوا.. وراجعوا صفحة الشاب مصطفى جاويش على «فيس بوك» عندما
كتب معلقاً على صورة استشهاد اللواء نبيل فراج شهيد كرداسة: «يارب اكتب لى
الشهادة».. كتبها مصطفى يوم 20 سبتمبر أى قبل أيام قليلة.. ونالها وصعدت
روحه إلى بارئها.

من قتل مصطفى جاويش؟.. الإجابة الحاضرة.. قتله إرهابيون مسلحون فى شارع
رئيسى بسيناء.. شارع كان خالياً من الأمن.. الإجابة «المستترة».. أن الذى
قتله هو جهاز الشرطة.. قتله مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزى
اللواء أشرف عبدالله.. قتله عندما قرر يوم الثلاثاء الماضى أن يكون هؤلاء
الملازمون فى سيناء.. كيف يا سيادة المساعد لشباب كانوا طلبة قبل أيام أن
تلقى بهم «الآن» إلى التهلكة؟.. كيف طاوعك «قلبك» أن تجعل 5 فى مرمى
النيران.. وهم لم يكتسبوا بعد أى خبرات فى العمل.. دعك من قلبك.. كيف هداك
«عقلك» إلى هذا الفعل.. كان لزاماً عليك أن توزعهم فى مديريات أمن أو فى
قطاعات أمن مركزى بأى محافظة وحين تصقل خبراتهم وبعد عام أو اثنين.. انقلهم
إلى سيناء.. لا تقل يا سيادة اللواء: «إن الخمسة طلبوا وإن محل إقامتهم
وراء نقلهم».. التوزيع غير مرتبط بمحل الإقامة يا سيادة اللواء.. وإن كان
واحد من الخمسة.. أو اثنان أو الخمسة قالوا لك: «احنا عايزين نروح سيناء»..
كان لزاماً عليك أن تقول: «بلاش سيناء اليومين دول.. سنة أو اتنين أو
تلاتة وتروحوا».
سيادة اللواء.. تراك أسر الضباط الأربعة أو الخمسة بمن فيهم الشهيد
مصطفى وقّعت على قرار تعيينهم بـ«الدم» وليس بـ«حبر قلمك».. وقعت بـ«الدم»
مثلما وقعت سابقاً على شهادات 25 مجنداً بالأمن المركزى.. تم قتلهم على
طريقة الأسرى فى سيناء.. لأن يومها كان القرار خاطئاً؛ أن يركب الـ25 حافلة
واحدة.. وهم فى طريقهم من أو إلى المعسكر.. سيدى اللواء.. كف عن التوقيع
بـ«الدم».. وقّع فى قراراتك القادمة بـ«الحبر».. أو لا توقع إن كنت لا تعرف
متى وأين وكيف ولماذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق